اكتشف الإنسان القهوة قبل قرابة 1300 عام لكنها لم تنتشر إلا قبل 500 عام فقط ما يشعرني بالأسف تجاه أجدادنا الذين لم يتسن لهم تجربتها. وحتى أصدقكم القول ما يؤسفني حقاً هو أن اكتشاف القهوة الحديث نسبياً يعني أنه لا زال أمامنا الكثير لنتعلمه حتى نصل لكوب القهوة المثالي.
لكن تبعاً للتطور الحديث في مجالات الزراعة والتعليم وتبادل المعلومات والشحن، شهد مجال صناعة القهوة بدوره تطورات كبيرة في العشرين عاماً الأخيرة.
كانت بدايتنا مع القهوة عندما لاحظ راعي الغنم الأثيوبي “كالدي” نشاط أغنامه بعد تناولها لكرز وأوراق شجرة القهوة! بعدها بدأنا في التعرف على هذه الشجرة العجيبة التي لها تأثير منبه لكن بطعم شديد المرارة. فبدأ الإنسان تجاربه لاستخلاص هذا المركب صاحب التأثير المنبه “الكافيين” وللحصول على طعم مستساغ لهذا المشروب.
لاحظ الأوائل أن تأثير مشروب القهوة “الكافيين” يتركز في بذور القهوة وليس في أوراق الشجرة أو ثمرها “الكرز” ثم لاحظوا كذلك أن حرق البذور “التحميص” يحسن من طعم المشروب كما يجعلها سهلة الذوبان في الماء.
توصل المزارعون لطريقتين رئيسيتين للوصول إلى بذرة البن النهائية قبل التحميص:
التجفيف Natural
بعد أن يقطف كرز القهوة يترك ليجف في الهواء وتحت أشعة الشمس ثم يزال القشر ويكشف عن حبة البن الخضراء. كان المزارعون في السابق يتركون كرز البن يجف على الأرض أو على أسطح المنازل مما يعرض الكرز للعفن وإلى هجوم الحشرات التي تفسد نكهة القهوة.
حديثاً يتم تجفيف الكرز على أسرة مرتفعة ويتم تقليب الكرز يومياً لمنع التعفن ولمنح جميع حبات الكرز فرصة لأن تجف من جميع الجهات.
يستغرق تجفيف القهوة من 3 إلى 4 أسابيع في الظروف الاعتيادية كما يتعمد بعض المزارعون تجفيف الكرز تحت الظل لزيادة فترة التجفيف وذلك للحصول على نكهات أكثر تعقيداً. تنخفض نسبة الماء في حبوب البن بعد التجفيف إلى 11% وهي النسبة المناسبة للشحن.
مزايا هذه المعالجة:
الحصول على نكهات معقدة في البن النهائي لأن حبة البن تمتص لب الكرز لفترة طويلة وحتى تجف. إيحاءاتها فاكهيه.
لا تتطلب استخدام للماء. لذا يغلب على القهوة القادمة من اثيوبيا واليمن أن تكون معالجة بالتجفيف حيث السماء ساطعة وليس الماء بتلك الوفرة.
العيوب:
المخاطرة بتعفن البن إذا لم يتم الاعتناء بعملية التجفيف والتقليب.
خطر هجوم الحشرات والتغذي على البن إذا تمت العملية سطح غير نظيف.
الغسل Washed
يلجأ المزارعون في المناطق الرطبة والتي يصعب معها تجفيف البن وخوفاً من تعفن الكرز، إلى استخراج حبة البن من الكرز ثم غسل اللب المتبقي على حبة البن وتجفيفه بعد ذلك. تتم العملية بعد قطف الكرز من الشجرة مباشرة وبحد أقصى 12 ساعة.
مزايا هذه المعالجة:
أقل فرصة لحصول العفن وكذلك ضرر الحشرات.
العيوب:
تتطلب كمية وافرة من الماء لإزالة القشرة وغسل البن.
النكهة النهائية تغلب عليها الحمضية والكلاسيكية غير المعقدة.
وبالنظر لمزايا وعيوب كلتا الطريقتين.. حاول المزارعون الجمع بينهما بطريقة ثالثة…
المعالجة العسلية Honey Process
ظهرت هذه الطريقة في المعالجة في كوستاريكا قبل 10 سنوات تقريباً ثم انتشرت منها حول العالم، وتهدف إلى التغلب على استهلاك المعالجة المغسولة للماء.
تماماً كما توقعت فإنها طريقة هجينة بين الطريقتين السابقتين.. تزال القشرة الخارجية لكرز البن فقط دون إزالة اللب من حول حبة البن وتترك لتجف.
تمنح هذه الطريقة في المعالجة للمزارع معالجة محصوله بأفضل طريقة يراها مناسبة.. فبإمكانه الإبقاء على جزء بسيط من اللب (عسلية صفراء) فتكون النكهة النهائية مقاربة للمعالجة المغسولة وتستغرق قرابة أسبوع للبن حتى يجف، أو يبقي جزء كبير من اللب حول البن فيحصل على نكهة نهائية مقاربة للمعالجة المجففة (عسلية سوداء) تستغرق قرابة 3 أسابيع للبن حتى يجف. أما العسلية الحمراء فهي في الوسط.
وفي جميع أنواع المعالجة السابقة تقوم بعض محطات المعالجة بجمع البن في أكوام لبعض الوقت ما يجعله يتخمر قليلاً معطياً ايحاء النبيذ والمربى.
في العام 2015 ظهرت طريقة جديدة لمعالجة القهوة مستوحاة من مصانع النبيذ في فرنسا.. تحدثنا عندها في هذا المقال: التنقيع الكربوني
1 تعليق
Pingback:التنقيع الكربوني - مدونة محمصة ديجور
نشر في 12:44h, 24 نوفمبر[…] أن التنقيع الكربوني يأتي كطريقة معالجة تكاملية مع الطرق الثلاث المشهورة (مجففة، مغسولة وعسلية) ذلك أنه بالإمكان تنقيع القهوة […]